خاطرة للدكتور عثمان جيلان معجمي حول قول الله تعالى : ومن شر حاسد اذا حسد

خاطرة للدكتور عثمان جيلان معجمي حول قول الله تعالى : ومن شر حاسد اذا حسد
لماذا جاءت اداة الشرط (إذا) في هذه الآية ؟ لماذا لا يضر الحاسد غيره الا اذا حسد , الحاسد هو حاسد , ولكن لا يصل شر حسده الى غيره الا اذا حسد ؟ هل معنى ذلك ان الحاسد لا يحسد الا في ظروف معينة ؟ اقرأ هذه الخاطرة لتعرف الاجابة .
عندما حسد ابليس , بدأ شر حسده يمتد ويصل الى ادم , تحول حسد ابليس الى افعال , بالنصح والقول والحلف بالأيمان المغلظة , أن هذه الشجرة هي شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى , اذا اكلت يا ادم من هذه الشجرة فلن تموت ابدا , ستخلد , وستعيش عيشة الملوك , (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) سورة الاعراف) , ولا يعلم ادم ان ابليس ناصحا حاسدا , و ان العكس هو الصحيح , اذا اكل ادم من هذه الشجرة فلن يخلد , سيخرج من الجنة , وسيموت على سطح الارض , وسيدفن تحتها بعد حياة التعب واللهث بعد لقمة العيش , اقسم له انه يريد له حياة الملوك الخالدين , وهو في الحقيقة يريده ان يحيا حياة التعب والكد , ويصبح من الميتين الهالكين , هكذا الحاسد , يريد ان يحرمك من كل خير , ويجعلك تعيش حياة الشر والتعب والضنك , لن يتركك الحاسد اذا حسدك , حتى يغير حياتك الى الشر , ويحرمك من النعيم الذي انت فيه ,, يتقرب اليك لابسا ثوب الناصح المحب , يشعرك باهتمامه بك وبحياتك وسعادتك ومستقبلك , يحلف لك على صدق ما يقول كي تطمئن , لا يتركك حتى يقنعك و يخرجك مما انت فيه من النعيم , وينقلك الى الشر والعذاب المقيم , ولذلك نصحنا الله تعالى ان نستعيذ من شر حاسد اذا حسد , فالحساد موجودون في المجتمع , معنا ومن حولنا , نتعامل معهم , يجالسوننا ونجالسهم , وقد يكونون من اهلنا واصدقائنا ولا نعلم ما في قلوبهم , ولن يضرنا حسدهم الا بإذن الله , وما هم بضارين به من احد الا بإذن الله
اعلم اخي القارئ , ان الحاسد لا يضرك الا اذا حسدك , ولن يحسدك الا اذا علم بنعمة انت فيها , قال تعالى : ومن شر حاسد اذا حسد , و(إذا) اداة شرط , الحاسد لا يضر احدا بحسده , الا اذا حسد , كمثل السارق , لا يضرك الا اذا قام بسرقتك , السرق والصوص موجودون في كل مكان , يعيشون معنا , نقابلهم ونحتك بهم في الاسواق والبقالات والحفلات والمناسبات , ولكن لا يصل شرهم الينا الا اذا سرقونا , السارق هو اساسا سارق , بارعا في مهنته , يمشي بجانبك ويتعامل معك وانت لا تعلم أنه سارق , ولكن لا يصل شره اليك ولا يضرك الا اذا قام بسرقتك , ولا يقوم بسرقتك الا اذا علم انك تخبئ شيئا ما ثمينا في جيبك او محفظتك , اذا اخرجت رزمة من النقود امام السارق , واخذت منها شيئا , واعدت البقية الى جيبك , عندها تتحول صفة السرق لدى السارق الى افعال , وتترجم الى اعمال , فتتحرك اعضاؤه , وتمتد يده في خفية الى جيبك , ويسرقك , ويصل شره اليك ويضرك , فإذا كنت في سوق ما, فعليك الا تخرج شيئا من جيبك من النقود امام الناس فيعلم السارق ان لديك مالا , ولن تنجو من شره , الا ان يحفظك الله ويصرف شره عنك , السارق لا يعلم الغيب , ولا يعلم ما بداخل الجيوب , يترقب ويترصد الجيوب والحقائب , عندما يجلس السارق في مكان ما , يجعل عيناه تلف كالرادار , ينظر هنا وهناك , يتفحص كل زاوية من البيت او المكان , الاماكن كلها له , عله يجد هدفا ثمينا , فيخطط للحصول عليه , وكذلك الحاسد , يكون موجودا مع الناس , يمشي معهم يخالطهم , ولا يضرهم حسده الموجودة بداخله الا اذا حسدهم , ولن يحسدهم الا اذا علم بممتلكاتهم , فتتحول صفة الحسد لديه الى افعال , وتترجم الى اعمال شريرة , فتتحرك اعضاؤه بالتخطيط لحرمان صاحب النعمة مما انعم الله به عليه من نعمة المال , يستعمل كل وسيلة , بالقول والنصح والكيد والعمل , بكل الطرق الشريرة , حتى يصل شر حسده الى المحسود , ويحرم صاحب النعمة من نعمته , ولا يصل شره الى احد الا بإذن الله
اخي القارئ , قد لا يقتصر شر الحاسد على حرمان المحسود من النعمة واخراجه منها , بل قد يتعدى ذلك الى اخراج المحسود من الدنيا كلها , والتسبب في موته و هلاكه , وكل شيء بإذن الله , ولا تموت نفس الا بإذن الله كتابا مؤجلا , فعندما قام ابليس بحسد ادم , تحول حسده الى افعال , وترجم الى اعمال , بالقول والحلف بالأيمان ان هذه الشجرة هي شجرة خلد وملك لا يبلى , فأخرج ادم من النعمة التي كان يعيش فيها رغدا , في جنة الخلد التي لا يجوع فيها ولا يعرى , ولا يظمأ فيها ولا يضحى , وهبط الى سطح الارض , حيث التعب والعناء والكد , والتحول من قوة الى ضعف وشيبة , ثم الى الموت والدفن في باطن الا رض
ولقد انتقل شر الحسد من ادم الى ذريته , ففتك بأحد ابنائه , حسد قابيل اخاه هابيل , لقد تقبل الله نذر اخيه ولم يتقبل منه , ثار حسده المختبئ في نفسه , وتحول الى واقع وافعال , وطوعت له نفسه قتل اخيه , وامتدت يده بالشر , فقتله فاصبح من النادمين الخاسرين
اخي القارئ , تذكر ان تستعيذ من شر حاسد اذا حسد , وتذكر ان الحاسد لن يحسدك الا اذا علم بنعمة اصابتك , نعمة الاموال والعقارات والذهب والفضة والانعام والحرث , ونعمة الملك و الشهادات العلياء , وغير ذلك من النعم , وتذكر ان تحاول - قدر المستطاع - ان لا يعلم احد بمقدار ما نملك من مال وذهب ومدخرات , واستعن بالله على قضاء حوائجك بالكتمان , فقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم , في صحيح الجامع وصححه الالباني في سلسلته بلفظ : (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) , ولقد قص الله علينا في القران الكريم قصة الرجل الصالح الذي خبأ لأولاده كنزا تحت الجدار , ولم يعلم احد بذلك من اهل المدينة , مات ذلك الرجل الصالح , بعد ان ترك ذرية ضعافا غلامين يتمين في المدينة , وشارف الجدار على السقوط , فارسل الله احد اعظم رسله وانبيائه لترميم ذلك الجدار , و لتستمر سرية ما خبأه هذا الرجل الصالح , ارسل الله موسى والخضر عليهما السلام , فتم ترميم الجدار , ولو كان اظهار ما يملكه الانسان من الكنوز والاموال مستحسنا , لقام موسى عليه السلام والخضر بإظهار ذلك الكنز لأهل تك المدينة , ولكن الله اراد اتمام ما عمل ذلك العبد الصالح , وعد الله الذي لا يخلف الميعاد , (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) الكهف) , والغريب , ان تجد من يفاخر ويعدد املاكه وكنوزه امام الناس , يريد ان يجله الناس , ولا يدرى انه يعرض نفسه لحسد الناس , إن الله لا يحب كل مختال فخور , ولن يحميه من شر حاسد اذا حسده لان الله لا يحبه , وفي قصة الرجل الصالح الذي خبأ كنز الذهب تحت الجدار عظة وعبرة لكل من يظهر ما يملكه من الذهب والمجوهرات تفاخرا امام الناس , والله لا يحب كل مختال فخور
ولا يقتصر التفاخر على الرجال , بل قد يصيب النساء ايضا , فتجد بعض النساء يلبسن الذهب والمجوهرات في المناسبات والحفلات , تفتخر امام النساء , والبعض الاخر يفتخرن بما رزقهن الله من زينة وجمال الجسد , فتلبس الملابس الخفيفة الضيقة القصيرة لإظهار ما تخفيه من مفاتن وزينة للجسد , و التي امر الله بإخفائها , قال الله تعالى : (ولا يبدين زينتهن ), حتى اذا انتهت الحفلة عادت الى بيتها وقد اصابها شر حسد النساء اللاتي رأينها , وفي اروبا وامريكا ينتشر سرطان الثدي بين النساء بشكل كبير والذي قد يكون عقابا من الله على اظهار ما يخيفن من زينتهن , وتصل نسبة الاصابة الى ثمانية بالمائة من النساء , ما بين كل مائة امرأة , توجد ثمان نساء مصابات بسرطان الثدي الخبيث , معدل اصابة مخيف , وقد وصلت تلك العادات و الاخلاق الى حفلات و اعراس المسلمين , فترى النساء المسلمات يلبسن القصير العريان الضيق الفاضح , خاصة النساء اللاتي تربطهن صلة قرابة بالعروسة , فعلى كل اب واخ , ان يمنع نساءه من لبس اللباس الفاضح القصير الضيق في الاعراس , اين الغيرة اين المروءة ؟ , هناك الجوالات والكاميرات , قد تمتد يد الحاسدة لتلتقط صورة لذلك الجسد شبه العاري , وتتحول حياة اسرة الى جحيم وشقاء , وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت زوجها ، إلا كشفت الستر فيما بينها وبين ربها ) صححه الألباني في "الرد المفحم" ) , وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) الاحزاب)
واما قول الله تعالى : (واما بنعمة ربك فحدث) , فيقصد به التحدث بنعمة القران , امر الله نبيه ان يحدث قومه بنعمة القران , نزلت سورة الضحى في مكة والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئا من الاموال , بل يملك نعمة الرسالة المتمثلة في القران , فقال له ربه : واما بنعمة ربك فحدث , وخاطبه مطمئنا له : ما انت بنعمة ربك بمجنون , و لذلك امر الله كل من علم علما أو حكمة أو اختراعا ان يبلغه للناس, ومن سئل عن علم فكتمه يلجم بلجام من نار يوم القيامة , (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) سورة البقرة) , اما نعمة الاموال , فالواجب فيها هو شكر الله عليها , واداء حقها , من زكاة و صدقات , وعون للضعفاء والمساكين , والحذر من استخدامها في الفساد وما يغضب الله , فتزداد تلك النعمة ويحفظها الله من الزوال : ( لئن شكرتم لأزيدنكم) , وينجو صاحب النعمة من شر حاسد اذا حسد , ويحيا حياة طيبة في الدنيا والاخرة , (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)سورة النحل )
فنسأل الله الكريم ان يوزعنا ان نشكر أنعمه , و نعوذ بالله العزيز الحكيم , الرحمن الرحيم , رب الناس ورب الفلق , من شر ما خلق , ومن شر غاسق اذا وقب , ومن شر حاسد اذا حسد , ومن شر النفاثات في العقد , ومن شر الوسواس الخناس , الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس , انه سبحانه الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد